كم دون كيشوت تعرف في حياتك ؟





"جاء المغول و دون كيشوت مُنتفضاً 
‏ما زال يضرب أعناق الطواحين" 


دون كيشوت أو كيهوت ، هو شخصية من رواية بنفس الإسم لميخائيل دي سيرفانتس والتي تصنف "كرواية" كأحد روائع الأدب العالمي .
ألونسو كيخانو "اسم دون كيشوت قبل أن يقرر تغييره" نبيل في الخمسين من عمره يعيش في مزرعته مع أسرته الصغيرة ، كان مولعاً بقصص الفروسية ورواياتها ويقضي أغلب وقته منكباً عليها ، حتى نسي ما كان يفعل فعلاً واختلط واقعه بقصص المغامرات التي يقرأها ، اضطر لاحقاً أن يبيع قطعاً من أراضي مزرعته حتى يشتري كتب عن الفروسية .
ولأن للأوهام حد قبل أن تطغى على الواقع ، كان صديقنا قد تخطى ذلك الحد بأميال .. اذ خطرت لباله فكرة أن العالم يحتاجه ! كفارس وكمنقذ ومخلص للشرور ، وانطلق يسعى في مهمته المجيدة .

كان يعتقد أن اسم ألونسو كيخانو لا يناسب حياته الجديدة كفارس ، فاختار اسم دون كيشوت ، شحذ سيف صدئاً لا يقطع شيئًا ورثه من جده ، وأصلح خوذة وجدها في أحد المخازن وعندما قرر اختبار تحملها انشطرت إلى ثمان قطع ، فقرر اصلاحها من جديد ، وأما اختبار تحملها؟ فقد قرر تلقائياً أنها منيعة وقوية ولا تحتاج لذلك .
ولأن لكل فارس حصان مُهاب يمتطيه في مهماته النبيلة ، كان لا يملك سوى حصان هزيل جداً اسماه روسينانت ، المسكين روسينانت كان الحصان المُختار لهذه المهمة المقدسة ، مهمة انقاذ اللاشيء من خطر اللاشيء. 
تمضي القصة بإنطلاق رحلته واختياره لمساعده السمين المسكين سانشو ، والذي كان هو ودون كيشوت أشد ما يمكن في التناقض .




ولأن لكل فارس عظيم عدو لا يجاوزه قوةً واسطورية ، مثل شيرلوك ومورياتي ومثل هتلر وتشرشل .. كان عدو دون كيشوت طواحين الهواء ! 
دون كيشوت كان يعتبر الطواحين بحركتها الدائرية عدو يجب محاربته ، وصور له عقله الواهم أنها شياطين طائرة وغيلان عملاقة،  وكفارس همام شجاع .. قضى عمره يقاتلها ويصارعها ليمنعها من نشر شرها عن .. عن طريق طحن الحبوب و نحوه .
في أحدى معاركه ، انتصرت طاحونة الهواء الشيطانية على دون ورفعت به عالياً حتى سقط يتألم من كل عظمة في جسمه .
على فراش الموت عاد صواب دون كيشوت وقال
‏ "لقد كنت مجنوناً والآن صرت عاقلاً، لقد كنت دون كيشوت دي لا منتشا، والآن كما قلت لكم ألونسو كيخانو" .

بطل وهمي بقضية زائفة ضد اعداء ليس لهم وجود .
لا مانع إن كُنت كما كان روسينانت في القصة ، أو حتى سانشو المسكين الذي على ما يبدو لم يعرف لماذا دون كيشوت كان يحمل خوذة ودرع .. المهم أن لا تكون كدون في حياتك ، لا تتبع سراب وهمك ثم تكتشف أن الثمن كان حياتك كلها .. كان الثمن هو قضية لم ترتقي اصلاً لتكون فاشلة .. لأنها وهمية بلا وجود أساساً . 

في داخل كل شخص هناك دون كيشوت منزوي احيان واحيان كثيرة ظاهر بوضوح ، دون كيشوت صغير يستهلك الإنسان في معارك جانبية تافهة حتى اذا حلّت المعركة المنتظرة يكتشف الإنسان أنه ألونسو كيخانو في لحظة فوات الأوان.

هناك "دونكيشوتية" معاصرة إن صح القول .. هي متلازمة صنع الأزمات غير الضرورية .. وتخيل وجود أعداء مثل طواحين دون كيشوت ، أي عداوات غير منطقية أبداً قد تستهلك الكفاح بداخلك وتستهلك كل معنى للمقاومة ، بلا أي عائد على الشخص نفسه ، فالكفاح والمعاناة إن كانت في قضية نبيلة ستضيف لك رصيداً انسانياً على عكس قضية فارسنا الوهمي أعلاه .

"القراءة جعلت من دون كيشوت رجلاً نبيلاً ، لكن تصديق ما قرأه جعله مجنوناً ." جورج برنارد شو

الدونكيشوتية لا تقتصر على أفراد بالضرورة ، بل هناك قضايا بأتباع ومريدين كانوا كروسينانت الحصان النحيل ، مجرد وسيلة لصانع الوهم الأكبر وفرض عليهم دور كان أكبر من مقدرتهم حتى وإن كان بلا هدف أخير في النهاية .. قضايا على مر التاريخ البشري كُشف زيفها وخداع شعاراتها لاحقاً وأصبحت مادة للسخرية
 و مثل يضرب اذا أتى ذكر الحديث عن غباء الجموع والجماهير .
قصص صدقها عامة الناس ونخبتهم ، كبارهم وصغارهم وعاقلهم قبل مجنونهم ، لكن لحظة اليقين الجماعية أنهم كلهم كانوا "ألونسو كيخانو" أصبحت بلا طائل .


كم حرباً دونكيشوتية تعرف؟ كم صراعا شاهدت أو حتى خضت بمسببات وأهداف لا تختلف عن أهداف المختل بطل روايتنا؟ 
والسؤال الأهم :

كم دون كيشوت تعرف في حياتك؟ 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من منكم يعرف أحدًا، لمس الأمم المتحدة؟

ما الفرق بين ابن الرومي، والطيور الإستوائية؟

طربان بعض أيامي، وأيام محزون.