الجوكر : شريرك المفضّل .







‏" الشئ لا يُعرف إلا بنقيضه، فلا تدرك النور إلا بالظلام ولا النعيم الا بالمعاناة "

‏عبارة صوفية .




في عام 1940 كان اول ظهور لشخصية الجوكر ، واحدة من أعقد وأشهر الشخصيات الخيالية في تاريخ القصص، على يد كل من جيري روبنسون وبيل فينغر وبوب كين .
استُلهمت الشخصية من شخصية أداها الممثل كونراد فيت في فيلم رعب صامت اسمه the man who laughs وقصته عن شخص تعرض لتشوه جعله بحالة ابتسامة دائمة .




من بداية ظهوره حتى الآن، تم تصوير الجوكر على أنه شخصية شريرة ومخادعة، سادي يستمتع تارةً بقتل جيسون تود مساعد باتمان وتارةً  بتفجير مستشفى غوثام غير عابئ .. بلا ضمير أخلاقي .

الجوكر كان الشرير المثالي لباتمان، بلا قوة خارقة وبلا قدرات تميّزه عن أشرار مدينة غوثام .
لكن التعقيد كله يكمن هنا .. عبقرية شخصيته أنّها كانت بدون دوافع وبدون هدف أساساً "حسب القصة الأصلية للكوميكس" ، شخص فوضوي وبدون أدنى ضمير داخل مدينة بروس واين الفاضلة .. غموضه جزء أصيل من جاذبيته، لأن الجوكر نقيض حتى للمشاهد والقارئ الذي يجنح دائماً للبحث عن تفسير لتصرفات الأشخاص، ويحاول تشريعها أو على الأقل البحث عن دوافعها، الجوكر نقيض الجميع . 

لماذا إتفق الثلاثي على شخصية مهرج اذاً؟

"لا يمكنك أن تثق بهم، كل شيء فيهم غريب، شكلهم ورائحتهم وابتسامتهم المخيفة، عند النظر إليهم لا تعرف إذا كان يبتسم لك أو أنه على شك أن يقلع رأسك من مكانه !“

هذه كانت إجابة جوني ديب عند سؤاله من معجبيه عن سبب خوفه من المهرجين .
جوني ليس وحده ، فالكلوروفوبيا "رهاب المهرجين" حالة مرضية معروفة ويتعالج منها الكثير وتنتشر بين الصغار والكبار .
الأزياء المُبهرجة، الألوان الفاقعة، المشاعر المصطنعة والإبتسامة العابسة تخلق جواً من التوتر المشوب بالحذر والخوف بل وحتى الشك من مشاعر المهرج، فهو يضحك على الدوام ويبتسم .. أي أن حالة مشاعره هي واحدة وهذا فطرياً كبشر أمر مخيف جداً .
42% من الناس في امريكا يخافون من المهرجين بدرجة او بأخرى، 1 من كل 3 في الفئة العمرية (19-29) مصابين بالكلوروفوبيا .

لكن هل الجوكر فعلاً يعشق العزف المنفرد؟ 
في واحدة من قصص الجوكر المحببة لي، قصة "Batman : The killing joke” 
قام شخص يُدعى مستر دوبريك بقتل باتمان، عن طريق الخطأ وبلا أي دافع وحتى أدنى تخطيط .




فرح وهلل جميع مجرمين غوثام وقادة عالمها السفلي ما عدى شخص واحد، اجابتك صحيحة .. الجوكر كان مفجوعاً بفقدان عدوه، يعيش حالة نكران وتكذيب لأهم خبر في غوثام .. موت سيد العدالة وعدوه الأزلي .
قابل الجوكر مستر دوبريك وتطورت حالة النكران لدرجة تعذيب المسكين دوبريك لأن الجوكر يظن أنه يكذب، أو يتمنى أنه يكذب .
القصة استمرت بظهور باتمان لاحقاً وبراءة مستر دوبريك .. الجوكر كان يحتاج باتمان وباتمان كان يحتاجه، الإثنين على درجة متطرفة من الاختلال وكلاهما كان الظلام لنور الأخر كما تقول العبارة الصوفية .

النقيض يصنع هويتك، بل أن كل مفهوم في الحياة يحتاج للضد .. 
الموت أكبر دليل على الحياة والمرض إثبات وجود للعافية ، الأمل يحتاجك أن تتذوق طعم اليأس لفترة .

الجوكر كقصة أعظم من مجرد مهرج يعتقد أن النظام الأمني في مدينة غوثام مجرد نكتة ، ولا مجرم يستمتع بقتل الأبرياء وقبل ذلك ترويعهم وإرهابهم .. قصة الجوكر فكرة قديمة تختبر منظورنا عن مفهوم العدالة ، والجريمة والعقاب ، في مشهد استجوابه الخالد في رائعة كريستوفر نولان
 “the dark knoght”
كان الجوكر يسخر من قيم وأخلاق المجتمع المتحضّر، ويرى أنها قابلة للإستغناء في أدنى إشارة خطر ، أي أنّها مفاهيم فضفاضة وترف فكري فقط في وقت الرخاء



غير منضبط وبلا أديولوجية ، لا يرفع أي شعار ولا يتبنى فكرة ولا يبشر بأي معتقد، ثائر بلا ثورة على الجميع .. الجوكر هو شريرك المفضّل

تعليقات

  1. تمنيت لو اني قرأت الكلام قبل مشاهدة الفلم لربما شدني وفهمته اكثر! لعلي سوف اعيد متابعته مجدداً وأخذ كلامك بعين الإعتبار

    ردحذف
    الردود
    1. لا تحتاج لكلامي لفهم شخصية الجوكر فهي بلا تعقيد ، لكن قد تحتاج كلامي لإدراك عبقرية شخصيته .

      حذف
    2. أرفع لك القبعة 👏🏻👏🏻

      حذف
    3. شكرًا اودين ، يشرفني ❤️

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من منكم يعرف أحدًا، لمس الأمم المتحدة؟

ما الفرق بين ابن الرومي، والطيور الإستوائية؟

ليلة القبض على الذوق الرفيع.