الحنيفي الأخير .





 




كان ينادي بوحدة الكون خالقًا وخلقًا، مُتفكّر في الكون ويؤمن بأن دنيا بلا حساب ولا بعث هي دنيا لا تستحق العيش .

 


سيد من سادات ثقيف وأشرافها، عاش بالقرب من مركز الجزيرة العربية الديني مكة، نبذ عبادة الأصنام ونبذ وثنية العرب ودهريتهم وآمن بيوم البعث والحساب .. على حنيفية إبراهيم .


كان أميّة قد اختار حياة الزهد وحياة العادات الحميدة، وكان كثير التردد على أديرة الرهبان النصارى ومعابد اليهود يقرأ ويبحث .. خالطهم ودرس معهم ولبس مثلهم حتى، وكان يترقب بعثة النبي الذي بشّروا به اليهود، حتى ظنّ يوماً أنّهُ هو نفسه .


مات زيد بن نوفل ومات قس بن ساعدة قبل بعثة النبي المنتظر وهما أواخر الحنيفيين في مكة، وظلّ أميّة وحيداً يوماً بعد يوماً تخالجه نفسه بشكوكه، فلا يعلم أحدًا أكثر منهُ علماً ولا حسن قولاً ولا حتى حكمة حتى يتلقف الوحي من الإله الحق، حتى حدثت قصة القافلة ..

ففي رحلة الشتاء والصيف الشهيرة لقريش، رافق أُميّة كعادته ابن خاله أبو سفيان "صخر بن حرب" أبو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين، جرت العادة في أثناء توقفهم في الشام أن يتخلف أُميّة عن القافلة ويعتزل بدير نصارى يحادثهم ويناقشهم في أمور الكون وأسئلته، لكن بعد أن عاد من جلسته معهم كان أميّة حزيناً يجر أذيال الخيبة ولاحظ ابن خاله أبو سفيان ذلك، وفي طريق عودتهم لمكة سأله ما بك؟ فرفض الإجابة وابتعد عن القافلة ثلاثة أيام كاملة حتى عاد في اليوم الأخير وقال :

يا أبا سفيان .. أخبرني الراهب الذي اعتدت أن أزوره عن أوصاف النبي الحق المبعوث .. قال عربي وأجبته أنّني عربي وقال من أهل بيتٍ تحج له العرب،

فقلت له وأنا من أهل بيتٍ تحج له العرب، فقال هو من قريش لا من ثقيف، فضاع أمري .


شك أميّة كان حول عتبة بن ربيعة ابن خاله ، وهو والد هند زوجة أبي سفيان .. فسأله عنه وعن أوصافه ومكارم أخلاقه .

واستمر في ظنّه حتى أتاه في الطائف أبي سفيان بخبر عاجل، بعثة سيد البشر محمد الهاشمي صلى الله عليه وسلّم، لا أميّة ولا عتبة .


أميّة ذهب لمكة وجادل النبي في نبوته ورجع للطائف وهو يعلم بصدق نبوة محمد، لماذا لم يؤمن إذاً؟ 

 

أميّة بن أبي الصلت كان ضحية رأي عام، قبل بعثة النبي كان أميّة يمشي في الطائف يبشر ببعثته القريبة، حتى أنّه لما سئُل عن سبب عدم إيمانه قال : "وماذا أُخبر بنات الطائف؟ وأنا الذي لا أنفك أبشرهم ببعثتي! فهل أتبع آخر عمري القرشي ابن مكة ومن يصغرني؟"

مزيج من الحسد والغرور والإستكبار منعت من كان يؤمن بوجود مدبر ومبدع واحد للكون ومن كان يرفض السجود لهُبل صنم ثقيف أن يؤمن، وهذه لعنة وبلاء .

أميّة بلغ من الحكمة بمكان، أنّ النبي كان راكبًا على ناقة ومعه رديف فسأله أن ينشد أشعار لأميّة .. فكل ما انتهى من بيت أمره النبي أن يزيد حتى بلغ مئة بيت، مئة بيت في التفكر والحكمة طرَب لها المبعوث الحق .


ثقي أني النبيه أبًا وأمًّا 

وأجدادًا سمَوْا في الأقدمينا

ورثنا المجد عن كبرى نزار 

فأورثنا مآثرنا البنينا


أبيات أميّة في مدح نفسه وفي الفخر .


وله أيضاً :


كلُّ عيشٍ وإنْ تطاولَ دهراً


‏صائرٌ مرّةً إلى أن يزولا


‏ليتني كنتُ قبلَ ما قدْ بدا لِي

‏       

‏في رؤوسِ الجبال أرْعى الوُعُولا



هرب أميّة لليمن حتى يكون أبعد ما يكون عن الدعوة المحمدية، مستكبر وجاحد وهو يعلم يقيناً بصدقها .. حتى بعد مضي تسع سنين من الدعوة قرر العودة، وقيل أنّه كان عائداً لإعلان إسلامه على يدي النبي حتى وقف على آثار معركة بدر،

فقال له أحدهم :

 هل تعلم من الذي أُلقيت جثته في البئر؟ 

قال أميّة من ؟

قال المتحدث : عتبة وشيبة أبناء خالك ربيعة، هلكوا على يد جيش محمد الذي أنت ذاهب لتصديق دعوته ومناصرة قضيته .

فجزع أميّة وقطع أذنا وذيل ناقته وقال :


ألا بكيتُ على الكرام 

بني الكرام أولي الممادحِ


 كَبُكا الحمام على فروع 

الأيْكِ في الغُصن الجوانح 



وأكلمها بقصيدة عظيمة في رثاء قتلى قريش، وتراجع عن قرار اسلامه مرّة أخرى بدافع الحميّة .





عند دنوِّ أجله قال بيتًا أشبه بالإعتراف الأخير :


لبّيك لبّيك، هأنذا لديكَ 

لا مال يُفديني ولا عشيرةً تُنجيني


ومات الحنيفي الأخير . 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من منكم يعرف أحدًا، لمس الأمم المتحدة؟

ما الفرق بين ابن الرومي، والطيور الإستوائية؟

ليلة القبض على الذوق الرفيع.