دليلك لصنع البطل الخارق .
"إن التخلص من الشخصيات غير الضرورية في المجتمع مسألة حسابية صرفة، فبقتل الناس الكسالى غير النافعين يتحقق النفع العام للمجتمع" .
لـ راسكولينكوف - من رواية الجريمة والعقاب .
في العام 1938، على يد جيري سيغل وبوب شوستر كان أول ظهور لشخصية البطل الخارق Superman، قادم من كوكب كريبتون لينقذ الأرض بقدراته غير الطبيعية وغير الأرضية، استلهم شكل الشخصية من أبطال السيرك الذين يتميزون بمظهر وقدرات غير اعتيادية وخارجة عن المألوف، لكن فكرة البطل المُخلّص كانت أقدم من ذلك بكثير .
تأتي كفكرة رافدة لحتمية نهاية العالم، إذ اتفقت أغلب المعتقدات الدينية وحتى الوضعية على نهاية ملحمية للوجود البشري على هذا الكوكب، يتقلّد فيه المخلص الأخير دور البطولة المطلقة .
هي حاجة أكثر من كونها فكرة .. فالبشرية في مختلف الأديان والمعتقدات اتفقت على فكرة وجود المنقذ النهائي الذي يأتي بعد أن تستشري الشرور جميعها ويغرق العالم في مستنقعها، وتنهار كل القيم الأخلاقية وتكاد تستحيل عملية التفريق بين الخير والشر .. فيلبي نداء الحاجة ويرفع الظلم والطغيان .
فيظهر السيد المسيح عليه السلام في الإسلام والمسيحية، ويتجسد كالكي لدى الهندوسيين، ويأتي مخلص صالح من نسل داؤود عليه السلام لينقذ اليهود في آخر الزمان .
والبطل الخارق بالمنظور الديني هو شخص حُر روحياً قبل كل شيء، ولا تعيقه الرغبات الدنيوية في تحقيق هدفه النهائي وهو خلاص البشرية .
فالأمر مثل سلم بدرجات، يعتليها الإنسان متى ما تسامى على كل شي حتى يصل لمرحلة الإنسان الخارق، أما أدناها فهي المرحلة البدائية المدفوعة بالسير خلف الغريزة والمادة، لا تختلف عن غابة الحيوانات بشيء.
والفكرة لا تتطلب وجود إيمان مُسبق بخالق وإله، وليست حصرًا على المؤمنين .. فالحاجة بشرية .
فهذا نيتشه قد أكمل في روايته الفلسفية "هكذا تكلم زرادشت" فكرة سبق وطرحها عن وجود إنسان أعلى خارق، يأتي بعد موت كل القيم والمثل العُليا، وبعد أن يلوم نيتشه المجتمع والبشرية على قتلهم للأخلاق .. يعرض الحلّ بعد هذه الجريمة بظهور الـÜBERMENSCH أي الرجل الخارق أو حسب الترجمة الحرفية "فوق الإنسان" أو الإنسان الأعلى .
نيتشه يعرض ما يعتقده أنّه الصورة الواجبة للإنسان، الإنسان المُتسامي فوق رغباته وحاجاته وغرائزه، إذا وضعنا بعين الإعتبار أن نيتشه يرى أن الدافع الأول للإنسان هو غريزته لا القيم المُثلى ولا الأخلاق المجتمعية .. ولذلك أستنتنج أنا شخصياً أن نيتشه يرفض فكرة "رجل المجتمع النبيل" .. ويؤيد الرجل الخارق الذي يصنع سعادته وخلاصه بنفسه ولا يرضخ لقيم بشرية .
فيما يعتقد دويستوفسكي منهجاً أخر، كالمنهج الذي نطقه على لسان راسلينكوف في بداية التدوينة، فدويستوفيسكي يعتقد أنّك لكي تصنع بطلاً خارقاً يجب عليك أن تبدأ بالمجتمع، أن تغيّره وإن استوجب الأمر .. تعيد تركيبته من الصفر لأن المجتمع الذي يتطلب مُخلّصاً هو مجتمع مشوّه يستوجب حلولاً قيصرية تبدأ منه وتنتهي فيه .
عُمّمت فكرة سوبرمان لاحقاً على أغلب قصص الأبطال، فهو بالضرورة رجل ذو قدرات خارقة "مصدرها غير بشري في الغالب"
ويملك حس عدالة وضمير حديدي ومرجعية أخلاقية صارمة وقدرة على إنفاذ القانون بيديه .. يأتي في اللحظات الأخيرة وفي أشد الأماكن بؤساً وأكثرها عطشاً للأمل .
قصص الأبطال الخارقين ليست طفولية وليست للإستهلاك الترفيهي. هي رغبة بشرية "مدفوعة بالحاجة" بالمقام الأول وهي قانون إلهي ومُسلّمة يجب حصولها تحقيقاً للعدالة الكونية .
- أطلس .
تعليقات
إرسال تعليق