الساعة الواحدة ونصف وهمًا .



"الزمن هو مجرد وهم، حتى لو كان هذا الوهم متكررًا" 


ألبرت آينشتاين .





تخيل اخر مرة سمعت فيها خبرًا مفرحًا جعلك تنتشي من شدة السعادة، هل تذكر مشاعرك وقتها ؟ واذا تذكرت ، هل تذكر كم دامت ؟ وكم جلست منتشيًا منها ؟ هل كانت الثانية هي نفسها الثانية المعتادة والدقيقة هي نفسها الدقيقة ؟

وهل تذكر عندما احتاج فريقك المفضل لهدف في آخر الدقائق كيف مرت بسرعة؟ وكيف كان انتظارك للصفحة الإلكترونية أن تتحدث في انتظار نتيجة اختبارك ؟ بلا شك أن دقائق الفرح ليست مثلها هي دقائق الحزن والضغط، والسؤال الأكبر منهم كلهم وبالخط العريض .. هل للوقت مفهوم محدد ومعيار واحد ؟ 

ماهو الوقت : تعريف ما لا يمكن تعريفه :


لا يمكن حصر الوقت أو "الزمان" كمصطلح أشمل بتعريف واضح ومحدد ومفهوم ، نحن لا نملك تعريفًا واضحًا للوقت ، لكنّنا بالتأكيد نفهمه، تخيّل حيوانك الأليف جائعًا، ستفهم بالتأكيد نداءاته التي يطلب فيها إطعامه، لكن هل بإمكانك اعطاء ترجمة حرفية لما يقول؟ وما نوع الطعام الذي يريده مثلًا؟ 
علاقتنا مع الوقت حسب رأيي هي بهذهِ البساطة المعقّدة وبهذهِ السهولة المستحيلة .. لا نفهم الوقت ابدًا ولا نفهم مروره ولا كيفية ايقافه مثلًا  أو قياسه لكنّنا وضعنا كـ"بشرية" مصطلحات مثل "ماضي-حاضر-مستقبل" لوصف تعاقب الوقت على أحداثنا وقِدم جزيئات الكون وتقادمها .
يعتقد أينشتاين أن الوقت مجرد وهم، وأن ملاحظته تختلف حسب موقعك وحسب سرعتك .. وحسب سرعتك أيضًا يمكن ملاحظة تباطئ الزمن أو تسارعه مع موقعك .
ساعة يدك قد تُخبرك كم الوقت الآن بدقة، لكن لا يمكن لها أن تخبرك ماهو الوقت .. الوقت ليس سهمًا منطلقًا الى الأمام وماخلف السهم هو ماضي وما أمامه هو مستقبل، بل هو وحسب آينشتاين مجرد تكرار يتأثر ويعتمد على السرعة، وأن علاقة الزمن بالسرعة مهمة جدًا ومؤثرة .

يتمثّل الوقت ويلاحظ عبر تغيّراته وعبر تأثيره، ولا يمكن ملاحظته بذاته .

تأثر الزمان بالسرعة : هل يمكن لنا السفر عبر الزمن ؟ :

 

حسب أعظم عالم فيزياء عبر العصور وأحد ألمع العقول الموجودة، ألبرت آينشتاين -والذي سأشير له كثيرًا في سطور تدوينتي- أن السفر عبر الزمن ممكن نظريًا ونظريًا فقط .
السفر عبر الزمن هو التنقل بين نقطتين منفصلتين في الزمن، ورغم بساطة تعريفه الّا أنه كان موضوع جدلي وأثار العديد من الأسئلة العلمية والأخلاقية والفلسفية حتى على مر السنين . 
 
في نظريته النسبية، أعاد آينشتاين تعريف الزمن تمامًا بعد أن دمج مفهوم الزمن مع المكان، وخرج بمصطلح "نسيج الزمكان" كتوصيف بليغ، حيث أن الزمان والمكان كمفهومين ليسوا بالضرورة معزولين ومنفصلين عن بعض، بل هم في نسيج واحد مع بعض، نسيج واحد وشبكة واحدة تحمل كل شي في هذا الكون الفسيح .
 وكلمة نسيج هُنا كانت دقيقة .. هل تعرف ماذا يمكن أن نفعل بالنسيج ؟ يمكننا طيّه وتجاوزه والإنحناء حوله .

تخيّل أنك جالس على طرف سريرك، وبعد أن تنهض ستُلاحظ أن زاوية الفراش منحنية ومشوّهة تقريبًا .. بعد أن نسقط تجربتنا البسيطة هذه على  مفهوم الزمكان، هذا التشوه هو الوقت، وبقدر انحناءه وتشوّهه تكون قوة جاذبيته .. فأنت بجلوسك على السرير قد جذبت أطراف الفراش نحوك، وكذا تفعل الأجسام الضخمة مثل كوكب الأرض بنسيج الزمكان . 
الوقت هو تحرك للجزيئات والذرات فقط .



السفر عبر الزمن بعد هذه المقدّمة يمكن أن يكون فكرة مُقنعة، لكن بعد أن أعطانا آينشتاين الأمل، حطم الآمال بورقة طلبات مستحيلة لبناء آلة الزمن الحالمة .
كبداية، تحتاج إلى مصدر طاقة لا متناهية، للوصول إلى سرعة الضوء التي تبلغ تقريبًا 299 مليون كيلو متر، في الثانية .

وبعد الوصول لها بطريقة أو بأخرى، سيتباطئ الزمن لدرجة تتمكن معها من تجاوزه والعودة الى أحداث قديمة أو أيً  كانت وجهتك، بالنسبة لك -كمسافر- سترى من حولك يمشون بسرعة كبيرة، وهم سيرونك متجمدًا .. بينما الوقت عندك وعندهم هو نفسه ! وهذه المرة، سأنضم لك ككاتب للتدوينة، وأطالب بحقي من التفسير والتوضيح من علماء الفيزياء أو المهتمين والباحثين .

معضلة الجد : ماذا لو عُدنا للماضي وغيّرنا شيءً ما ؟ :


تخيّل معي أنك نجحت بالعودة -واعتذر لك على كثرت مطالباتي لك بالتخيل، وأعدك أنها الأخيرة- وعدت لتاريخ معين قديم، وأثناء قيادتك لسيارة وجدتها على الطريق اصطدمت بدون قصد بسيارةٍ مرّت بجانبك، وبعدما أسعفت المصاب ونقلته للمستشفى .. أخبرك الطبيب أنه مات للأسف، بدأ عليك التأثر والحزن رغم أن الخطأ ليس خطأك لأن الطرف الأخر رحمه الله كان مسرعًا، وفجأة شاهدت فتاة بجانبك تبكي، وتخبرك أن من مات كانت موعودة بالزواج منه اليوم،  وبعد أن قرأت اسم المتوفي كانت الصدمة .. الميت هو جدك ! 

اذا مات جدك قبل لقاءه بجدتك، كيف اذًا بدورهم أنجبوا أبيك الذي بدوره أنجبك ؟ والذي للأسف كان دورك ليس الإنجاب بل قتل جدك .. وكيف يمكن لحدث مستقبلي أن يلغي حدثًا بالماضي، وهذا الحدث الماضي هو سبب وجود الحدث المستقبلي ! 
وهل بعد هذا كلّه، هل ستختفي بعد موت جدك أم ستبقى موجود ؟ لأن حسب مبدأ السببية وجودك له سبب ولا يمكن أن يكون حدث ولادتك منفصل مثلًا عن موت جدك .

ما قرأته بالأعلى كانت معضلة الجد grandfather paradox ، وهي من الأسئلة المنطقية التي تطرح متى ما طُرح موضوع السفر عبر الزمن، وقس على ذلك أي حدث اخر قد يتغير بعمد أو بدون عمد في الماضي .

نسف الحلم : دعوة عشاء هوكينغ :



في عام 2009، كان الفيزيائي ستيفن هوكينق يدرس احتمالات السفر عبر الزمن، وقرر دراستها وتجربتها بطريقة غير تقليدية وغريبة .

قرر العبقري البريطاني إقامة حفل عشاء سرّي فقط للمسافرين عبر الزمن، وبدأ بالتجهيز لوليمة ضخمة واستعد استعداد تام .. وقبل العشاء بوقت قصير نشر الدعوة.
يعتقد هوكينق أن ان كان السفر ممكن عبر الزمن ، فإن من في المستقبل سيعلمون عن عشاء هوكينق الغريب ودعوته السريعة وسيأتون لعشاءه، وهذه الفكرة بقدر غرابتها الّا  أنها عبقرية جدًا .. فهوكينق كان يطرح نفس السؤال لكن بصيغة مختلفة ، بدلًا من أن نسأل الذين في الوقت الحاضر العودة للماضي، لماذا لا يأتي لنا ويزورنا من في المستقبل ؟ هل عدم زيارتهم لنا هو بسبب استحالة تحقق الفكرة حتى مع التطور الممكن مستقبلًا، أو أنهم -من باب التفاؤل- قرروا احترام خصوصيتنا نحن بشر الألفية الثانية وعدم العودة لأحداثنا وصراعاتنا ؟ 
وقد نكون فعلًا  قد استقبلنا زيارات منهم لكنّنا لا نعلم .. وقد يكون هناك متحف تاريخ في لندن مثلًا او باريس يمكنك من العودة للحرب العالمية الثانية أو مشاهدة أول مباراة كرة قدم في التاريخ، أو الجلوس وراء شجرة قريبة من زرادشت لرؤيته عندما جاءه الإلهام بعد 10 سنين وهو في قمة الجبل يتأمل ويحاول البحث عن اجابة لأسئلة الحياة، أو حتى رؤية وجه يوليوس قيصر أول امبراطور روماني في التاريخ عندما تعرّض لطعنة قاتلة من رفيق دربه وصديقه العزيز بروتوس ومن ثم سأله "حتى أنت يا بروتوس ؟" وقال له : احبك يا قيصر لكن أحب روما أكثر .


قد لا نعرف الإجابة عن سؤال امكانية السفر عبر الزمن من نحوه، وقد لا نعرف كيف ستكون التجربة وماهية الشعور أثناء الغوص في الزمن في تسارع رهيب نحو الماضي أو المستقبل، وقد لا نعرف ماهية مفاهيم بسيطة ودارجة في يومنا مثل الزمن والوقت والذرّات .. لكنّنا متأكدين من إبداع وعظمة صنع هذا الكون، ومن أنّ الإنسان مهما بلغ من عبقرية وتحضر وتمدّن علمي .. سيقف أمام اسئلة الكون الكبرى مدهوشًا مثل مايقف الطفل الصغير أمام مهرج يلعب بالكرات في كرنفال . 

وآخر سطر موجّه لأي زائر من المستقبل، إن كان السفر ممكن فعلًا .. أخبرني بالتعليقات بالأسفل فضلًا  لا أمرًا . 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من منكم يعرف أحدًا، لمس الأمم المتحدة؟

ما الفرق بين ابن الرومي، والطيور الإستوائية؟

ليلة القبض على الذوق الرفيع.